كلنا جوانا مكتبة… مش من الكتب، لكن من اللحظات. كل نظرة، كل كلمة، كل حضن مفتقد، كل وداع، كل دمعة فرح… اتخزنت فينا، مش بس في القلب، لكن في الدماغ. الذاكرة مش مجرد تذكار… دي شفرة. شفرة بتحكم مشاعرنا، قراراتنا، وحتى علاقتنا بالزمن.

الدماغ والذاكرة… قصة بتنكتب كل لحظة

الدماغ بيسجل الذكريات من خلال شبكات عصبية بتتشبك وقت التجربة. كل ما التجربة كانت مشحونة بمشاعر قوية – سواء خوف، حب، خجل، أمل – كل ما الشبكة العصبية المسؤولة عنها كانت أقوى.

لكن… المخ مش كاميرا. هو بيحفظ الذكرى بطريقته الخاصة، مش بالضرورة زي ما حصلت بالضبط، بل زي ما حسيناها.

يعني ممكن موقف صغير، لو حسّينا فيه بالأذى، يتحوّل لجبل جوا عقلنا. ويفضل يأثر علينا بعد سنين، من غير ما ناخد بالنا.

ليه الذاكرة أحيانًا بتقيّدنا؟

لأنها مش بس محفوظة… هي نشطة. كل ما نفتكر موقف قديم، المخ بيعيد تنشيط نفس المسارات العصبية، وكأن الحدث بيحصل تاني، بنفس الإحساس، بنفس التفاعل الجسدي.

يعني لو جواك ذكرى خيانة، أو إحساس بالخذلان، ممكن عقلك يتعامل مع أي علاقة جديدة بنفس الحذر… حتى لو الشخص اللي قدامك مختلف تمامًا.

فين الشفرة الروحية؟

الذاكرة مش بس عقل… هي بوابة للروح. كل موقف مرّ بيك، كان رسالة. كل وجع، كان مفتاح. وكل مرة افتكرت حاجة ودمعت، أو ضحكت، أو خفت… كان فيه خيط بيشدّك ناحية ذاتك الحقيقية.

الذكريات مش جاية تعذبنا، لكن جاية تفتّح أبواب كنا قفلناها بدري.

هل ممكن نعيد كتابة الذكريات؟

مش نلغيها… لكن نغيّر طريقة تفاعلنا معاها. ده اسمه في علم الأعصاب: Reconsolidation – يعني إعادة تثبيت الذكرى بمشاعر مختلفة.

إزاي؟
– نرجع نفتكر الذكرى من غير هروب.
– نسمح للمشاعر تطلع من غير جلد.
– ونحط معاها تفسير جديد، أوسع، أحن، أكتر نور.

مثلاً: “أنا اتخذلت” تتحوّل لـ “أنا كنت بحتاج حب أكتر… وده مش عيب. ودلوقتي أنا بعرف أختار مين يستحق وجودي.”

تمرين للشفاء من الذاكرة

  1. اختار ذكرى بتتكرر عندك وبتوجّعك.
    2. اكتبها على ورقة كأنك بتحكي لنفسك اللي جواك.
    3. اقراها بصوت هادي… وحس بجسمك، تنفس ببطء.
    4. اسأل نفسك:
    – إيه اللي كنت بحتاجه في اللحظة دي؟
    – هل أنا لسه محتاج ألوم نفسي؟
    – هل أقدر أحضن الطفل اللي جوايا وقتها؟
    5. اكتب تفسير جديد للذكرى… بلغة حب ووعي.

الكون كمان بيفتكر… لكنه بيرحم

النجوم ليها ذكريات ضوء. الكواكب ليها مسارات بتعيدها كل سنة. وإنت كمان، ليك مدار.

بس الفرق؟ إنك تقدر تختار تطلّع من الذاكرة حكمة، مش سجن.

كل ذكرى جواك، هي حرف في رسالة ربنا ليك… وكل مرة تسمح لنفسك تشوفها بنور، أنت بتفك شفرة جديدة… وترجع لنفسك أكتر.

المقال الجاي:
“من الألم إلى النور… كيف يتفاعل المخ مع الألم؟”

error: Content is protected !!