في عالم سريع، مليان ضجيج وتشتت… كلنا بندور على لحظة هدوء. لحظة تحس فيها إنك راجع “لبيتك”، لجواك، لمصدرك. بس إيه هو الهدوء الحقيقي؟ وهل له مكان في جسمنا؟ في الحقيقة… الإجابة “نعم”، والمكان اسمه: الجهاز العصبي.
الجسم والقلق… ومنظومة الإنذار الداخلي
جسمك فيه نظامين عصبيين شغالين طول الوقت:
– الجهاز السمبتاوي: هو اللي بيشتغل في حالة الخطر أو التهديد، لما بتحس بقلق، ضربات قلبك بتزيد، تنفسك يتسرع، عضلاتك تتشد… زي إنذار داخلي.
– الجهاز الباراسمبتاوي: هو اللي بيرجعك للهدوء، بيفك التشنجات، يبطّئ النفس، يحسسك بالأمان.
الموضوع مش نفسي بس… القلق ليه جذور بيولوجية، بس كمان… الهدوء ليه باب روحي مفتوح فيك من زمان.
النَفَس… بوابة الهدوء والاتصال بالمصدر
النفس مش مجرد هواء داخل وخارج. النفس هو أول شيء ربنا نفخه فينا:
“فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي…” [الحجر:29]
لما تاخد نفس عميق، ببطء… وتتابعه من أول ما يدخل لأنفك لحد ما يخرج… انت حرفيًا بتلمس أطراف الروح.
كل شهيق = فرصة للإحساس بالوجود. كل زفير = دعوة للتسليم والراحة.
الجهاز الباراسمبتاوي بيشتغل مع التنفس الهادي، يعني أنت تقدر تهدي جسمك وعقلك بنية، وبنَفَس.
الدعاء والتنفس… لقاء بين العلم والرحمة
جرّب كده تمسك لحظة خوف أو توتر… وتقفل عينيك، وتاخد ٤ أنفاس عميقة:
– شهيق ٤ عدّات
– احتفاظ بالهواء ٤ عدّات
– زفير ٤ عدّات
– توقف بعد الزفير ٤ عدّات
(تمرين اسمه “Box Breathing”)
وفي كل زفير… ردّد دعاء بسيط، بصوت القلب:
“يا سلام، أسكنني سلامك.”
“يا خالق، طمّن قلبي بوجودك.”
انت كده مش بس بتهدي جهازك العصبي، انت كمان بتفتح قناة بينك وبين مصدر النور.
الكون… وكلّه بيتنفس معاك
عارفة إن كل كائن حي بيتنفس؟ وحتى الكواكب ليها إيقاع في الدوران والتباطؤ وكأنها بتتنفس؟ الكون ماشي على نَفَس…
وإنت كمان، لما تنضبط على نفس التردد ده، جسمك بيرتاح… وروحك بترجع تتصل.
الهدوء مش غياب الحركة… الهدوء هو وعي كامل بالحركة من غير مقاومة. زي البحر، هادي بس عميق… زي الكون، واسع بس مُنسجم.
ممارسة يومية للعودة للمصدر
– كل يوم قبل النوم، اقعدي في مكان هادي.
– خدي ٣ دقايق تنفّس “Box Breathing”.
– اختاري دعاء قصير تكرريه أثناء الزفير.
– خيّلي نور بينزل من أعلى رأسك لحد قلبك…
– وارجعي تقولي لنفسك:
“أنا في أمان. الكون بيحضني. وأنا راجعة لبيتي.”
وفي الختام…
الهدوء مش حالة مؤقتة، هو قدرة على الرجوع للمصدر في أي وقت. المصدر جواك، في جهازك العصبي، في نَفَسك، وفي صلتك بالله.
المرة الجاية لما تحسي بتوتر، افتكري:
في لحظة نَفَس، في لحظة رجوع.